عندما انطلقت الثورات الشعبية في كل من تونس ومصر والبحرين واليمن والعراق تطالب باسقاط الانظمة، كانت هذه الثورات واضحة المعالم يجمع بينها قاسم مشترك، وهو كونها مدنية سلمية في مواجهة انظمة قمع مدججة بالسلاح.
الثورة الليبية التي نتابعها حالياً عبر شاشات التلفزة تبدو مختلفة، او طرأ عليها عنصر اختلاف مهم عن نظيراتها في الايام الاخيرة، من حيث تحولها الى ثورة مسلحة تخوض معارك دموية ضد نظام قمعي، لحماية مكتسباتها، والحيلولة دون سقوط المدن التي باتت تحت سيطرتها.
وربما يعود هذا التطور الى انقسام الجيش الليبي وانضمام وحدات منه الى الثوار، واعلان العصيان المسلح على نظام الزعيم الليبي الديكتاتوري، وهو تطور لم يحدث في اي من البلدان الاخرى التي تشهد ثورات مماثلة، فالجيش التونسي بقي على الحياد، وكذلك فعل الجيش المصري، وهناك تقارير تؤكد ان هذا الحياد الذي تطور الى مطالبة رئيسي البلدين بالرحيل، هو الذي ادى الى حقن الدماء، وتقليص الخسائر والحفاظ على الوحدتين الترابية والاجتماعية للبلدين.
الخوف، وفي ظل هذا الانقسام الحاصل في ليبيا، ولجوء الطرفين الى الاحتكام للسلاح، مع فارق كبير طبعاً بين ثورة مشروعة ضد الظلم والطغيان ونظام قبلي ديكتاتوري، الخوف ان تنزلق البلاد الى حرب أهلية تستمر لفترة طويلة على عكس معظم التوقعات.
ليبيا كبيرة المساحة، قليلة السكان (سبعة ملايين نسمة)، متوزعة بين قبائل متعددة، جغرافيا وبشريا، والنظام حاول ويحاول توظيف كل هذه العوامل لخلق الفرقة، وبما يؤدي الى خدمة مصالحه في نهاية المطاف، ولكن الثورة الشعبية قلبت كل الحسابات رأسا على عقب، وهزت قواعد النظام من جذورها.
الانباء القادمة من ساحات المعارك متضاربة، واحيانا كثيرة متناقضة، فتارة يحتفل النظام باستعادة مدينة الزاوية، وتارة اخرى تؤكد المعارضة استعادتها لمدينة مصراتة وتكذب ادعاءات النظام المعاكسة، ولكن الحقيقة التي يتجاهلها الكثيرون، في غمرة احتدام المعارك، وتصاعد حالة الاستقطاب، ان البلاد ذاهبة حتما الى التقسيم، وربما التحول الى دولة فاشلة على غرار ما حدث ويحدث في العراق وافغانستان، وربما الصومال ايضا.
العقيد معمر القذافي هدد بصوملة ليبيا، ولوح بان تنظيم 'القاعدة' الاصولي المتطرف قد يقيم مضاربه فيها اذا ما استمرت الثورة والدعم الداخلي والخارجي لها (لا اثر لاي دعم خارجي حتى الآن) ويبدو انه حقق الجزء الاول من هذا المخطط اي الصوملة، اما الجزء الثاني فمؤجل حسب الظروف وتطورات الاوضاع في الفترة المقبلة.
نحن امام حكومتين في ليبيا، حكومة تترنح، وتتخذ من ثكنة العزيزية العسكرية في طرابلس مقرا لها، وتسيطر على الوسط (من سرت شمالا على المتوسط حتى سبها جنوبا) وحكومة ثوار (المجلس الوطني) وتتخذ من الشرق الليبي مقرا لقيادتها.
من الصعب التكهن حاليا بالحكومة الغالبة في نهاية الشوط، فنحن امام عمليات كرّ وفرّ، ولكن الامر المؤكد على المدى البعيد ان فرص بقاء حكومة العقيد معمر القذافي باتت محدودة للغاية، بسبب وجود شبه اجماع دولي على ضرورة رحيلها، وتآكل قاعدتها الشعبية الداخلية، اللهم الا اذا حدثت معجزة تقلب كل المعادلات الحالية، ولكننا لسنا في زمن المعجزات والكرامات على اي حال.
القدس العربي
شكرا لتواجدك زائر نورت الصفحة