إن الحرص على توطيد العلاقة بين المسلمين, والحرص على سلامة قلوبهم تجاه بعضهم هو من مقاصد شريعتنا الغراء
وهكذا تجد القرآن يؤكد على مبدأ الأخوة في الدين وعظم حقها
قال تعالى{ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} الحجرات.
فالأصل أن تكون علاقتنا راسخة ثابتة كالجسد الواحد, وقلوبنا محملة بالمحبة, والتراحم, والألفة, والتعاون فيما بيننا
والبعد كل البعد عما يقدح في هذه الأخوة ويزعزع ثوابتها
قال صلى الله عليه وسلم(مثل المؤمنين في توادهم وتعاطفهم وتراحمهم مثل الجسد إذا اشتكى منه
شيء تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى) البخاري ومسلم
ألا وإن من أخطر ما يفتك أواصر هذه الأخوة والمحبة بين أبناء الدين الواحد
سوء الظن المهلك الذي يحمله الأخ على أخيه, لينتزع الثقة وتدب الفرقة في جسد الأمة.
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ}الحجرات
(إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث..) رواه البخاري ومسلم
لنقف سوياً عند هذين النصين, ونتأمل حال قلوبنا ونفتش عن سلامة صدورنا من مرض سوء الظن بإخواننا..
ماذا نقصد بسوء الظن؟
هو اعتقاد جانب الشر وترجيحه على جانب الخير فيما يحتمِلُ الأمرين معاً. وقيل سوء الظن هو
الاتهام بغير دليل أو كما قال البعض: هو غيبة القلب، يُحَدث نفسه عن أخيه بما ليس فيه.
هل نستطيع التخلص من هذه الآفة؟
سأذكر لك عدة أمور من خلالها بإذن الله تعالج ما يقع في نفسكِ من إساءة الظن
1- أليست القلوب بيد الرحمن؟؟ إذاً توجه بصدق إلى ربك جل في علاه وانطرح على أعتابه
وسله أن يرزقك قلباً سليماً ونفساً مطمئنة.
2- استعرض خطر هذا المرض وأضراره..وكيف أن ربك نهاك عنه وحذرك منه.
3- حاور نفسكِ وحدثها ملياً وضعها مكان الشخص الذي أسأتِ الظن فيه
هل ترى أن هذا الفعل يصدر منك؟؟ فسيدفعك هذا لإحسان الظن به
وتأمل قول الله عز وجل في حادثة الأفك { لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً} وهذا هو الأصل في تعاملنا مع أخواننا.
4- أغلق على الشيطان كل مدخل وابدأ بتذكر محاسن من أسأتِ الظن فيه وما يحمله من صفات الخير والصلاح
فإن هذا يغيظ الشيطان.
5- قبل أن تصدر الحكم على من أسأت الظن به التمس له العذر تلو العذر فلربما كان حقيقة عمله بعيداً كل البعد عما ظهر لك
تأمل هذا الموقف لنبيك عليه الصلاة والسلام
إذ جاءت إليه صفية رضي الله عنها وهو معتكف في المسجد فتحدثت عنده ساعة ثم قامت لتنصرف، فقام النبي صلى الله عليه وسلم معها يوصلها
فمر رجلان من الأنصار فسلما على رسول الله وانصرفا مسرعين فناداهما فقال لهما: على رسلكما إنما هي صفية بنت حيي.
فقالا وهل نظن بك إلا خيرا يا رسول الله؟
قال( إن الشيطان يجري من ابن ادم مجرى الدم، وخشيت أن يقذف في قلوبكما شرا)
6- لا تقدم سوء الظن مادام أن هناك مساحة للإحسان وحمل الأمور على الخير وتلمس الأعذار
7- تذكر أن لحسن الظن حلاوة ولذة, فلا تستبدلها بمرارة الأسى وسوء الظن بمن حولك.