الصائم الآمر بالمعروف
للأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر منزلة عظيمة في الإسلام، دلَّ عليها العدد الكبير من النصوص الشرعية في القرآن والسنة- التي تطلب الأمرَ بالمعروف، والنهيَ عن المنكرِ، ودلّ عليها أيضاً الأجرُ الكبيرُ الذي يناله الآمرُ بالمعروفِ والناهيْ عن المنكر، والوِزْرُ الكبيرُ الذي يُصيبُ تاركَهما، ناهيكَ عَمَّنْ يعملُ بخلافهما، كأنْ يأمرَ بالمنكرِ، وينهى عن المعروف، كما فعل المنافقون والمنافقاتُ.
والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عمل الأنبياء والمرسلين، وصفة الصالحين من عباد الله، وهو من علامات خيرية هذه الأمة، قال تعالى: ( كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ ) حتى إنه قدّم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على الإيمان بالله في الآية، لأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أداة عملية لتحقيق الإيمان بالله في الأرض، وهو أيضاً من أهم أعمال المؤمنين الذين مكّنهم الله تعالى في الأرض، ومن أسباب نصرهم ( وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ، الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ )، بل إن الله تعالى أمر بإقامة جماعة أو تكتل أو حزب مهمته الدعوة إلى الإسلام والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ووصفهم بالفلاح في قوله تعالى: ( وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ )، وعلى هذا الأساس قام حزب التحرير، يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، بالعمل لإقامة دولة الإسلام التي تُقيم الإسلامَ كلَّه في الأرض كلِّها، وتنفي وجودَ المنكر فيها وتمنعه وتعاقبُ من يقوم به.
ومدح الله تعالى المؤمنين والمؤمنات بصفة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، { وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَـئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }.
كما ذم المنافقين والمنافقات بأنهم يأمرون بالمنكر، وينهون عن المعروف، { الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُم مِّن بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُواْ اللّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ }، وكفى بذلك فسقاً لمن يقوم بالأمر بالمنكر والنهي عن المعروف.
والامتناع عن الأمر بالمعروف، وعن النهي عن المنكر مَآلُهُ العذابُ الشديدُ من اللهِ تعالى، ثم عدمُ استجابةِ الدعاءِ، كما روى حذيفةُ رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله: ( والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليوشكن الله عز وجل أن يبعث عليكم عذابا من عنده ثم تدعونه فلا يستجاب لكم ) رواه الترمذي وحسنه.
وعن جرير رضي الله عنه مرفوعا : ( ما من قومٍ يكونُ بينَ أظْهُرِهِم مَنْ يعملُ بالمعاصيْ هُمْ أعزُّ منهُ وأمْنَعُ لَمْ يُغَيِّرُوا عليه إلا أصابَهُمُ اللهُ عزَّ وَجَلَّ بعذابٍ ) رواهُ أحمدُ وغيرُهُ .
وعن أبي عبيدة عن ابن مسعود مرفوعا : لما وقعت بنو إسرائيل في المعاصي نهتهم علماؤهم فلم ينتهوا فجالسوهم في مجالسهم وواكلوهم وشاربوهم فضرب الله قلوب بعضهم ببعض ولعنهم على لسان داود وعيسى ابن مريم { ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون }. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم متكئا فجلس فقال : ( لا والذي نفسي بيده حتى تأطروهم على الحق أطرا )، رواه أحمد .
ورويَ أيضاً أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم أي الجهاد أفضل قال : ( كلمة حق عند سلطان جائر ). فقد عُدَّتْ كلمةُ الحقّ عند الحاكمِ الظالمِ من أفضلِ الجهادِ، ومن أعظمِ الجهادِ كما في نصوص صحيحة أخرى، بل إن مَنْ يقتُلُه الحاكمُ الظالمُ لقولِهِ الحقَّ مع سيدِ الشهداء حمزةَ.
فمنْ أولى من الصائم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والأخذِ على يدِ الظالمِ، وأطْرِهِ على الحقِّ أطراً؟ فهو القريبُ من اللهِ تعالى بصيامِهِ، فليكنْ أقربَ وأقربَ بالأمرِ بالمعروفِ والنهيِ عن المنكرِ، والعمل لإقامة دولةِ الإسلام، دولةِ الخلافةِ الراشدةِ الثانيةِ على منهاجِ النبوةِ