الصائمُ في ليلة القَدْر
لَمّا أخبَرَ اللهُ سبحانه عن أنَّه قدْ كَتَبَ علينا الصيامَ، أخبرنا أيضاً أنّه قدِ اختارَ لنا شهراً عظيماً نصومُ فيه، وهو شهرُ رمضان، يقولُ الحقُّ جلَّ وعلا في مُحكَمِ تنزيلِهِ: ( شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ )، ومن دلائلِ عَظَمَةِ هذا الشهرِ أنّه أَنْزَلَ فيهِ القرآنَ، وبيّنَ سبحانه أيضاً تلكَ الليلةَ التي أنْزَلَ فيها القرآنَ، إنّها ليلة القَدْرِ، قالَ عَزَّ مِنْ قائلٍ: (حم ، وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ ، إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ ، فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ)، هذهِ الليلةُ مباركةٌ، فيها يُفْرَقُ كُلُّ أمرٍ حَكيم، كَمِثْلِ إنزالِ القرآنِ الكريمِ في تلكَ الليلةِ الْمُبارَكة.
هذهِ الليلةُ التي أُنْزِلَ فيها القرآنُ ( إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ) ذاتُ القَدْرِ العظيمِ: ( وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ )، وعَظَمَةُ قَدْرِها آتيةٌ من أمورٍ عِدَّةٍ، فهي خيرٌ من ألفِ شهرٍ، ( لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ ) فمَنْ يَعيشُ منا؛ مِنْ أمةِ محمدٍ صلى الله عليه وسلم ألفَ شهرٍ؟؟ في ليلةٍ واحدةٍ يعمَلُ فيها المؤمنُ فيكونُ عملُه في تلكَ الليلةِ خيراً من ألفِ شهرٍ، حَقّاً: ( وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ )، فَلَكَ الحمدُ والشكرُ ربَّنا، كما ينبغي لجلالِ وَجهِكَ وعظيمِ سلطانِك.
ومِنْ دلائلِ عَظَمَتِها أنّها ( تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ )، نعمْ، تَتَنَزَّلُ الملائكةُ بعامةٍ، والرُّوْحُ أيْ جبريلُ عليه السلامُ في تلكَ الليلةِ بإذنِ ربِّهِم مِنْ كُلِّ أمرٍ عظيمٍ، والأمرُ العظيمُ الذي يُفْرَقُ تلكَ الليلةَ تَتَنَزَّلُ به الملائكةُ، بل ويَتَنَزَّلُ بهِ الرُّوْحُ، وهيَ ليلةُ الأمنِ والطمأنينةِ: ( سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ).
عَسَى اللهُ العليُّ العظيمُ أنْ يَفْرُقَ لأمةِ الإسلامِ في ليلةِ القدرِ هذا العامَ أمراً عظيماً، نصراً مُؤَزَّراً قَويّاً مَنيعاً مُفاجئاً باهتاً لأعداءِ الأمةِ، مُفْرِحاً لعبادِهِ المؤمنينَ العاملينَ الْمُخْلصينَ: ( وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ ، بِنَصْرِ اللَّهِ يَنصُرُ مَن يَشَاء وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ ).
رَوى البخاريُّ عن أبي هريرةَ رضي الله عنه، أنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال: ( مَنْ قَامَ ليلةَ القَدْرِ إيماناً واحتساباً، غُفِرَ له مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ، وَمَنْ صَامَ رَمضانَ إيماناً واحتساباً غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ ).
وروى التِّرْمِذِيُّ عن عائشةَ رضيَ اللهُ عنها، أنَّها قالتْ: قُلْتُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ؛ أَرَأَيْتَ إِنْ عَلِمْتُ أَيَّ ليلةٍ ليلةَ القَدْرِ؛ مَا أقولُ فيها؟ قالَ: ( قُوْلِيْ: اللهُمَّ إنَّكَ عَفُوٌّ كَرِيْمٌ تُحِبُّ العَفْوَ فَاعْفُ عَنِّيْ ).
فمنْ أولى من الصائمِ مِنْ أوّلِ يومٍ في رمضانَ، والقائمِ ليلَ رمضانَ، والمجتهِدِ في العَشْرِ الأواخرِ من رمضانَ، والْمُتَصَدِّقِ في شهرِ رمضانَ وفي العَشْرِ الأواخرِ منه، فَمَنْ أولى منه بِتَحَرّيْ ليلةِ القدْرِ لاغتنامِ فضْلِها وأجْرِها، لِيَقومَ تلكَ الليلةَ إيماناً واحتساباً، فَيُغْفَرَ له ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنبِهِ؟؟؟[/color]
[/size]