السينما الفلسطينية تعبير عن أزمة الذات
عمار جمهور
بعدما كانت الأفلام الفلسطينية توثق النصر الجماعي للقضية الفلسطينية وحركتها التحريرية، باتت اليوم تتجه نحو الفردانية والذاتية، وتعد الأفلام الفلسطينية المعروضة في مهرجان القصبة السينمائي الأخير تعبيراً جلياً على صدق هذا الادعاء، مع الإدراك بأن الأفلام التي عرضت بمجملها تنوعت في منطلقاتها الإنسانية وقضاياها الاجتماعية. شكلت هذه الأفلام تمحوراً فريداً من نوعه لا سيما في سياق معالجتها للوجود الإنساني للفلسطيني.
الأفلام عبرت عن أزمة الذاتانية الفلسطينية، بالإضافة إلى أنها عبرت عن الفلسطيني المجرد بإنسانيته المباشرة والعفوية بغض النظر عن ميزته الايجابية أو السلبية. ولكنها صورت الفلسطيني بمشهدية الخائف المتردد لكون صانعي هذه الأفلام استتروا خلف إنتاجهم الفني، ولم يتجرأوا على البوح صراحة بأن هذه الصناعة السينمائية تعبر عن حياتهم الحقيقية، واكتفوا بالتصريح بأنها تتقاطع إلى حد كبير مع واقعهم الحقيقي ولكنها لا تشكل سيرة ذاتية.
تدرك بوضوح أن هذه الاعمال لا تنتهي بمجرد انتهاء الشريط السينمائي وإنما تلتصق بمخيلتك إلى ما بعد ذلك، متصارعة بمزيج من التساؤلات التي تشد اهتمامك بشأن التشابه الكبير ما بين قصص ومضامين هذه الأفلام، والسياق الاجتماعي والإنساني لمخرجيها أو ممثليها أو منتجيها أو كاتبيها، وهل هذا التشابه من قبيل الصدفة؟
اتسمت مشهدية هذه الأفلام بتنامي لغة الذات ومفهوم الفرد، وهذا ليس غريبا، وذلك لكون الذاتية والفردية باتت موجودة في بنيتنا الثقافية لا سيما في الأدب بمكوناته، والفن بأنواعه. وقد يكون السبب الخفي وراء اندفاعنا للتعبير عن ذاتيتنا، نجاح الفرد في ظل الفشل الجمعي على الساحة الفلسطينية، والذي بات ينتقل من السيرة الذاتية في الأدب الفلسطيني إلى الكثير من الحقول الثقافية والفنية، وعلى رأسها السينما الفلسطينية، التي باتت تشكل تمرداً معرفياً فردياً في محاولة لإسقاط النجاح الفردي على الانهزام الجمعي، هذا النجاح الذي يحتاج إلى تربة ثقافية وفكرية. وهنا يبرز التساؤل الأهم في إمكانية تشكيل منظومة قيمية للفردانية تمكنها من النهوض بالتردي الجمعي؟ وفي إمكانيتها أن تكوّن بديلاً للإنتاج الفكري الجمعي المؤسساتي؟ أم أنها ستزيد من محدودية تطور المجتمع كون هذه التجارب لا تحمل في ثناياها بوادر معرفة جماعية، وإنما تعبر عن تجارب فردية قد تنتهي بانتهاء التجربة ذاتها؟
وان اختلفت التفسيرات والتحليلات بشأن تنامي الفردانية كظاهرة في فننا وثقافتنا، إلا أننا لا نستطيع أن ننكر بأن السينما الفلسطينية بإمكانياتها المتواضعة نجحت في نقل الرسالة المبتغاة في التعبير عن إنسانية ووجود الفلسطيني، وتجذّره على هذه الأرض شأنه شأن غيره من الآدميين.
تبرز هنا إشكالية السينما الفلسطينية باعتبارها رافداً من روافد الثقافة الفلسطينية في علاقتها وجدليتها مع فشل الحركة القومية في تحقيق الحلم الوطني المنشود، والمتمثل بالاستقلال والانعتاق من سلطة الاحتلال من ناحية، وتناقض الثقافة ذاتها مع الرواية السحرية للبطولة الفلسطينية للثقافة الفلسطينية لعدم قدرتها على التمرد على الانهزام السياسي، من ناحية أخرى.