سامر العيساوي: أوقد نارك في بحرنا أكثر
سامر، سامر... ماذا كتبت في ألواح فلسطين الحديثة؟ ماذا حفرت على صخور البلاد من ارث إنساني؟ بأي لغة كتبت اسم هذا الوطن؟ أي معنى إنساني أضفت لكتابات الحرية والأخلاق الإنسانية. أي روح تتوقد فيك وأنت تحيا بالموت مع صاحبك أيمن الشراونه؟ على أي بحر من بحور الشعر تنسجون قوافيكم فقد قضى درويش، وحنظلة دون أن يتموا دروس الأغنية؟ وتتبعنا القوافي والسواقي بحثاً عن المفقود فيها فوجدنا يا اسياد الصمت الصارخ أن صدى صمتكم كان أكثر بلاغة من كل اللغات. فهل تطاوعني اللغة إذا كان الصمت أعظم؟
في بلاد صار فيها الصلب منذ كان عيسى بن مريم الذي تنتسب إليه يوماً معلقاً فيها، حجة إنسانية على الظلم، وفي بلاد يتوازى فيها طريق الآلام الإنسانية مع نفق ياسر عرفات الذي قضى مكفناً بالأسئلة التي تتناسل بعضها من بعض لتدق جدران خزان كنفاني، في بلاد أصبح فيها الصمت والصلب أعظم أنباءً من سيف المتبني؟
لم يعد بعد ملحمة الموت وطقوس الولادة من رحم الموت أي معنى لانتظار الموت، فإذا كان صحيحا أنه ليس بالخبز وحده نحيا، فإنه أيضاً ليس بالموت نموت؟ ألم يقل السابقون منا أن الشهداء أول الراحلين وآخر الموتى؟ في روايتنا استعصى على علماء الديموغرافيا إحصاء عدد القتلى، وأمام حالة استعمارية تعبد لغة أرقام المواليد ومعدلات الهجرة والمهاجرين، يصبح تعداد المولودين الجدد فينا يومياً هاجساً مربكاً لجامعات أقيمت على جثث الضحايا، الجامعات التي لم يطرح فيها السؤال بعد، بأي ذنب قتلت تلك النفوس الإنسانية؟
إلى ان يحين موعد السؤال يا أيها العيساوي، بربك لا تسأل: أماه ما شكل السماء وما الضياء وما القمر؟ وبحق حلمك الإنساني لا تسأل إن كان عذابك الممتد قد جاء بنا إلى منطق الاتجاه الواحد المعبر عن وحدانية الجمع الفلسطيني المتحد أم لا؟
صحيح أن سؤال الحرية هو السؤال الأعظم في الفكر الإنساني، وصحيح ان سؤال العدل والمساواة هو السؤال الأعظم في الفكر الاجتماعي لكن الصحيح أيضاً أيها العيساوي، إن سؤال الوطن كان على الدوام هو السؤال الأكبر على شفاه كل المناضلين الوطنيين في العالم. ولك أن تسأل ما تريد على حافة سؤال مروان البرغوثي، إن كانت حرية الأسرى الفلسطينيين مناطة بحرية الشعب الفلسطيني أم لا؟ وإن وجودك على ما أنت عليه في انتظار الحياة هو وجود شعبك على ما هو فيه من امتهان لإنسانيتهم. لذلك سيبقى جرح الأسرى مفتوحاً طالما بقيت الحرية للشعب الفلسطيني خاضعة للمنطق الحسابي كميا ونسبياً وخاضعة أيضاً لتصنيفات الحروف الهجائية العربية أ، ب، ج؟
يا سيد الصمت وسيد الأسر الآسر لنا جميعاً ممن لا يتقنون مراثي الوطن ومدائح الظل العالي. صرتم أنتم عبق الوجود بعد أن ازالت الجرافات شقائق النعمان وأجراس الكنائس وأكفان الموتى وسنابل القمح وأزهار اللوز ونسيم الصبح وسكينة الليل في صيف البلاد، صرتم أنتم متحفنا الوطني.
أمام حقيقة الوجود الآدمي والحضاري يصطدم المحتلون العابرون دوماً بوجود الشعوب الطبيعية التاريخية في الأمكنة الطبيعية والتاريخية، لكن لم يتجرأ أحد من كل المحتلين أن يدعي بفراغ المكان كما ادعى من قيدوك في سرير استحضار القيود وليس سرير الاحتضار الذي قالوا فيه أن الكبار يموتون والصغار سوف لن يعرفوا مشهد بلادهم، ومساء شطآنهم وخرير جداولهم وثغاء ماعزهم وهديل حمائمهم وليالي مواسهم؟
يا ملح الجرح النازف من مقبرة الأرقام إلى قيسارية، أغمض عينيك قليلاً فقد ذبحنا عمق عينيك ومحياك وشاربك الشامي... قليلاً.. ولو لحظة أغمض عينيك لنتمكن من قراءة النص الذي خطته يداك على الجدار الذي باعدك عنا في العيسوية، علنا نستطيع أن نقرأ روايتنا... روايتك... روايتكم.
"يا عطر الليل"، أصبحت بحد ذاتك الإنسانية زمناً عربياً، وأصبحت في ذاتك أمة تعاند الموت وتركب دروب المستحيل لحماية ربيعها وحراسة فجرها من بغداد إلى الشام إلى القاهرة إلى صنعاء إلى تونس إلى مدينتك الحزينة التي طالت ظلمتها.
يا سيد المكان وسيد اللحظة... خذنا معك إلى لحظتك... إلى رجائك... إلى وجعك... إلى عيون أمك إلى قدسك، حيث أخذنا فيصل الحسيني إليها يوم كانت كل الدروب مغلقة؟ إلى يافا حيث أخذنا إبراهيم أبو لغد ذات يوم إليها وهو مكفن بلون البحر، إلى مجدو عاصمة المرج حيث أخذنا درويش، خذنا إلى القصيدة... إلى البيدر.... إلى الحلم حيث أخذنا ياسر عرفات مكفنا بالسؤال، ولا زلنا عالقين بين فلسفة كوفيته ونص جنائزي يبحث في اللحظة تلك.
تعال... وقد أيقظت الذي قال أوقد نارك في خيمتك فليس لك ما تسخره، تعال يا سيد اللحظة أوقد نارك في ليلنا من الكرامة إلى بيروت علنا نتلمس طريق الرجوع إلى عربة أحمد ياسين المزدانه بالدم عند صلاة الفجر في غزة، أوقد نارك أكثر لعل البيات الشتوي يغادرنا أمام المذبح المقدس عند أقدام الجندي المجهول في غزة.
سلام عليك فيما أنت فيه سلام لروايتنا وعليها من وطأة السنين... سلام عليك فلن نلتقي إلاّ هناك... عند الفجر تحت ظل القدس. سلام عليك... لكل أصحابك عند المشانق في سجن عكا ... سلام عليك ولكل القادمين، فقد ولت أيام الراية البيضاء، والموت الطارئ والوقوف في الطابور حفاة عطاشى، طاب صبرك وللصابرين، كل زهور الأرض، وأزهر صبرنا ورداً يا سامر.
[img]
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] [/img]