الكلمة المسطورة بصفة خاصة ذات مقام عظيم يتناسب مع دورها العظيم ايضا
انها السفير الابدي الذي لا يضع عصاه عن كاهله
السفير الذي يقضي العمر جوابا بين العصور والاجيال . يصل بينها ما انقطع ويحيي ما اندثر
الكلمة المسطورة انها تنقل الى كل فرد من الناس - اذا شاء - ثراء العقل البشري ورصيده وانها لتلهب الخلود لكل آثار البشر وتاريخهم
انها هي التي تجمعنا اليوم وغدا وابدا بافذاذ الخليقة ورواد ها
**فسقراط **مثلا الذي اختفى عن دنيانا منذ قرابة 2500 سنة تجمعنا به الكلمة وكانه حي بيننا يغدو ويروح مطلا علينا بجبهته العريضة وحكمته الكاسحة
والكلمة المسطورة تسمعنا تغاريد** بوذا **عند سفوح الهمالايا .. وتنقل الينا حكمة **حمورابي ** من اعماق بابل
الا ما اروعها تلك الكلمات قاهرة الزمن والقدم
فبينما ينقض الموت على الناس وياخذهم من عالم الحياة كان لم يكونوا نرى الكلمة المسطورة تستنقذ من ذلك الموت الداهم اخبار بعضهم وتراثهم وافضل ما كان عندهم من ادب وعلم ثم تهب ذلك كله خلودا تتحطم على ذراه كل ارادة الفناء ومحاولات العدم ...!!
فالكلمة المسطورة التي سجل بها **ديموقريطس ** وابيقور ** حدسهما عن الذرة وما في جوفها من طاقة ظلت جنينا حيا ناميا يتقلب في الوعي الانساني عصرا بعد عصر وجيلا بعد جيل حتى بلغ في عصرنا هذا اشده وانكشفت اسراره واطلقت الطاقة من مكمنها فاستخدمت في تسيير القطارات السريعة وانتاج الكهرباء الضخمة والات الموت والدمار الشيطانية
والكلمة المسطورة هي التي سجل بها العالم العربي المسلم **علاء الدين بن النفيس ** فكرته عن الدورة الدموية وتنقية الدم في الرئتين بسبب امتزاجه بالهواء الخارجي ... هذه الكلمات التي سطرها ** ابن النفيس** في القرن الحادي عشر كانت النور الذي ظل يسعى بين عقول الباحثين في هذا المجال حتى وضع العالم البريطاني **هارفي** يده اخر الامر على قانون هذه الدورة كاملا
والكلمة المسطورة التي اودعها بعض فلاسفة الاسلام امثال **اخوان الصفا **وابن مسكويه ** احاسيسهم عن اصل الانواع وتطور الانسان في اواخر القرن العاشر الميلادي والحادي عشر ظلت هي الاخرى تنمو في وجدان العقل حتى استحالت اخيرا على يد **لامارك ** وداروين ** معرفة ساطعة ونظرية وثقى .واخيرا مهما ضربنا ونضرب من امثال على قيمة الكلمة المسطورة وجلالها فستنفد الامثال كلها قبل ان تنفد هذه القيمة وهذا الجلال
على ان الصراع الكبير كان دائما بين الكلمة المسطورة وبين السلطة والحكام
وكانت الكلمة المسطورة تكلف صاحبها التعذيب الجسدي والروحي على ايدي اذناب الحكام الى يومنا الحاضر .. وكانت دوما تخرج تلك الكلمة من بين الانقاض ومن بين النزف منتصرة شعارها كان دائما : كل ما لا يقتلني يحييني ومن ثم كان الظفر لها في النهاية والمستقبل دائما سيظل لها هي وحدها وفي الحلقة المقبلة بحول الله ساتحدث معكم عن الصراع بين الحاكم واصحاب الكلمة المسموعة والمقرؤة او المسطورة
دكتور رشيد سكري
17/09/24, 10:24 am من طرف 
موضوع: الكلمة المسطورة 
