وصل اليأس حده بأناس وبلغ بهم كل مبلغ ، حتى حطوا رحال التفكير وقطعوا باليأس كل بادرة أمل ، ورفعوا راية الاستسلام ، وسلموا زمام أمرهم لعدوهم الشيطان اللعين ، ولسان حال أحدهم يقول : أيمكن لمثلي أن يتوب ؟!
ربما كان هذا اليأس - في نظرهم - لم يأت اعتباطاً ، بل أنه كان نتيجة محاولة ، أو أكثر ولكن دون جدوى أن يكونوا من التائبين ، ربما لأنهم جربوا وبعزم لكن المشي كان لخطوات ثم فترت الهمم وخارت القوى .
وبعد أن خاض بعضهم غمار التجربة نكص حاملاً في نفسه قناعات تلك التجربة !
حسناً ..... أنا لا أشك بأنك موقن أن الله لا يستصعبه أمر وأنه على كل شيء قدير ، تعال معي الآن مستصحباً هذا اليقين واقرأ هذه الآية بقلبك لا بمجرد نظرك ، وأمهل نفسك فرصة لتتذوق معناها . قال الله تعالى " اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ " . الحديد . قال ابن كثير رحمه الله في تفسير هذه الآية :
" فِيهِ إِشَارَة إِلَى أَنَّ اللَّه تَعَالَى يُلِين الْقُلُوب بَعْد قَسْوَتهَا وَيَهْدِي الْحَيَارَى بَعْد ضَلَّتهَا وَيُفَرِّج الْكُرُوب بَعْد شِدَّتهَا فَكَمَا يُحْيِي الْأَرْض الْمَيِّتَة الْمُجْدِبَة الْهَامِدَة بِالْغَيْثِ الْهَتَّان الْوَابِل كَذَلِكَ يَهْدِي الْقُلُوب الْقَاسِيَة بِبَرَاهِين الْقُرْآن وَالدَّلَائِل وَيُولِج إِلَيْهَا النُّور بَعْد أَنْ كَانَتْ مُقْفَلَة لَا يَصِل إِلَيْهَا الْوَاصِل ..." انتهى .
في هذه الآية أمل وبشارة بحياة القلوب من الموت الذي هو الضلال إلى الحياة المتمثلة في الهدى والتقى ، ثم إن هذه الآية جاءت مباشرة بعد قول الله تعالى " أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قبْل فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ "
نعم ... فالذي أحيا الأرض بعد موتها تبارك وتعالى لا يعجزه أن يحي القلوب الميتة من آثار الغفلة والمعاصي والضلال .
حسناً ...... الآن أظن أن وهج البيان من كلام الله عز وجل أزال ذلك التصور المعتم من قناعات سابقة ، التي
ما هي إلا وساوس و حيل شيطانية نفثها الشيطان في نفسك .
ثم لعل الفشل والتعثر في طريق الهداية يرجع لأسباب أخرى لم تتفطن لها ، ومنها
إن الهداية نور ، وأنت قد كنت وضعت خطواتك الأولى في موضعها الصحيح ولكنك ما تلبست إلا بقدر يسير من النور ، فتقهقرت منهزماً !
وكيف تريد بنور يسير أن تنقشع سحب الظلام الذي تراكمت في قلبك ولسنين ؟!
سنين مضت في اللهو والغفلة وتفريط في جنب الله ، ثم تريد أن تهزم الباطل بسلاح إيمان ضعيف ، فقد يلزمك مزيد من النور والثبات في طريق الحق لتهاجر أسراب الباطل من قلبك التي سكنت وعشعشت فيه أعواماً .
فالتزام طاعة الله بالأعمال الصالحة واجتناب المحرمات أمور تقوي الإيمان وتجعله يقاوم شهوات النفس وشبهات الشيطان وسفاسف الدنيا .
عندها يرحل الباطل ولا يجد له مكاناً في قلبك بعد ما عمرته الهداية .
وطالما أنك تشعر بتقصيرك وضرورة ترك ما أنت عليه فهذه بشارة خير .. فأقبل .. أقبل ... وسر على بركة الله فإنك على الحق ولا تركن إلى العاجزين ولا تتبع الغافلين فتكن من النادمين .
.
جعلنا الله ممن يستمع القول فيتبع أحسنه .