انفصامية الفنان السوري تجاه قضيته بقلم: عمار جمهور
عمار جمهور
انفصامية الفنان السوري تجاه قضيته
عند استرجاع شريط الذكريات الطويل الممتد على امتداد عمر الأنظمة العربية برمتها، لا بد من الولوج إلى المُنتَج الفني، وكذلك النقدي الذي رافق هذه الحقبة التاريخية من عمر المنطقة العربية، وما كانت تعنيه بالنسبة للمثقف، والفنان، والناقد، وللمفكر، فقد كانت مرحلة اغتراب قيمي للفرد عن محيطه الجماعي. وقد حاولت العديد من الأعمال السينمائية، والمسرحية، والدرامية وغيرها أن تعمل على إعادة صياغة الفرد العربي المقموع والمضطهد ومسلوب الحرية والإرادة، وذلك عبر تجسيد إبداعي للعديد من الأعمال الفنية الخالدة، وخاصة تلك الأعمال التي حملت في ثنائياها معاني إنسانية خالدة وعميقة عمق الوجع الآدمي ذاته.
لقد أُعجبنا وما زلنا بجرأة الفنانين السورين وبجرأة أعمالهم الفنية، وقد شكلت هذه الأعمال عنصراً وحدوياً للمواطن العربي، وذلك لتشابه الحالة العربية برمتها بالرغم من اختلاف وتعدد فكر الأنظمة السياسية العربية وأساليبها. وعبر النقد السريع لعدد محدد من الأعمال المسرحية السورية الكبيرة كمسرحية " كأسك يا وطن"، "شقائق النعمان"، "الغربة". يبدو واضحا أنها شكلت معتقدات راسخة في الأذهان العربية مكنتّها من أن تصبح سرمدية الوجود وأزلية البقاء والخلود؛ لأنها حملت في فحواها قيم نقدية متمردة ولاذعة لواقع موجع ومؤلم، تشارك فيه العربي مع أخيه العربي فكراً وممارسة من المحيط إلى الخليج.
المفارقة الغريبة الواضحة والمخجلة التي تتمثل اليوم في المشهد الثقافي السوري عبر اتساع المسافة الكبيرة ما بين الفكر الذي نظّر له فنانين ومفكري ومنتجي هذه الأعمال، والذين حملوا على عاتقهم هم المواطن العربي بشكل عام والسوري بشكل خاص، وباتوا اليوم عنواناً براقاً لأزمة هوية في أدق مرحلة عربية ومفصلية من تاريخ المنظومة العربية برمتها، تائهين بين نظام قمعي استبدادي، وبين شعب أعزل تُمارس بحقه أبشع جرائم القمع الفكري والمادي على حد سواء.
والتساؤل الذي يراوغ مكانه يتمثل في التلكؤ الفكري والسياسي لهؤلاء الفنانين الذين لم تتسع لأعمالهم الشاشات التلفزيونية خلال شهر رمضان الكريم، والتي خلت من أي تلميح أو إيحاء لرفضهم واقع ما يجري في المشهد المأسوي السوري، خاصة وأنها تمر في مرحلة تاريخية ومفصلية هامة. فهل ما يجري في الساحة العربية السورية اليوم لا يعني هؤلاء الفنانين؟! أم أن ما يجري لا يمثل معتقداتهم التي أقنعونا بها خلال السنوات الماضية؟!، وهل هذا نقد الأنظمة العربية كان شعاراً تسويقياً جذاباً لاستمالة المشاعر ودغدغة الأحاسيس الإنسانية؟ أم أنها لعبة الخوف التي لا تنتهي؟! أم هو الولاء المطلق للنظام الواحد، وللفكر الواحد، وللفن الواحد، وللاتجاه الواحد؟!
انطلقت الكوميديا السورية لتحمل رسالة سياسية وفكرية عبر استثمار المأساة هزلياً، وعبر انتهاج الكوميديا موقفاً، والموقف السياسي والفكري بالتحديد، ونجحت في توظف ذاتها لخدمة الفكرة المستنيرة والحرة دفاعاً عن حريات وتطلعات أبناء جلدتهم من مواطنين بسطاء وقوميين تقدميين.
آن الأوان لمراجعة نقدية شاملة وموسعة للإعمال الفنية خلال المرحلة السابقة ومقارنتها مع الواقع حالياً، بالاستناد إلى مضمون الأعمال الفنية التي أعتقد أنها أصبحت خالدة، بالنظر إلى سياقها السياسي الذي وُظفت من أجله، والسلوك الاجتماعي والنفسي المنافي لسياق الفنان وسلوكه استناداً إلى الإرث التاريخي الذي يتناقض مع موقفهم تجاه ثورة أبناء جلدتهم، فالواقع ينادي والتاريخ يقف عاجزاً عن تدارك المستقبل بفعل انفصامية الذات سلوكياً وتغليفها بأزمة تعبير خانقة، لا تستطع ولادة إلا العقم الفني مأزقاً.[/size]