الزهايمر إبداع فردي للزعيم وليست تحول بنيوي في مسيرته شبكة فلسطين الاخبارية .. بقلم: عمار جمهور
يروي فيلم " الزهايمر" للمخرج عمرو عرفة قصة رجل أعمال ثري يدعى "محمود شعيب" يقوم بدوره الفنان الكبير "عادل إمام"، حيث يحاول أبناؤه الذي يقوم يدروهما الفنان فتحي عبد الوهاب، والفنان أحمد رزق إقناعه بإصابته بمرض الزهايمر. يتفق أبناءه الاثنين وزوجة احدهما، وصديقه احمد راتب على إقامة دعوى قضائية ضده، وذلك بغرض الحجر على ممتلكاته باعتباره مصاباً بمرض الزهايمر.
تبدو الحبكة الدرامية مقنعة للجمهور بشأن إصابة الوالد "عادل إمام" بمرض الزهايمر، دون أن تكون هناك أية مشاهد ثانوية إيحائية تشير لوجود مؤامرة من قبل المحيطين به في قصره، حيث يصحو من نوم استغرق ثلاث أيام ليجد واقعاً مختلفاً يعمل بكافة عناصره المحيطة على إقناعه بصحة إصابته بالمرض، ولكن سرعان ما تنكشف مؤامرتهم، والتي اكتشفها من عامل الصيانة، حيث عمل الولدين على تجنيد طاقم لإقناعه بإصابته بالمرض، وذلك طمعاً في أمواله لسداد ديونهم المتراكمة من عملهم بالبورصة، بعد، أن رفض مساعدتهم، وقرر معاقبتهم لتصرفهم بأمواله بدون مسؤولية.
يعمل الفنان "عادل إمام" عبر تجسيده لشخصية محمود شعيب المصاب بمرض الزهايمر على صياغة مؤامرة مضادة للمؤامرة التي تعرض لها من أبناءه، معتمداَ على الشخوص ذاتها والعناصر بعينها، معطياً إياهم مبرراً مقنعاً للخيانة في الحالتين الأولى والثانية، وذلك عبر استغلاله للعنصر المادي المتمثل بالأموال التي اشترى بها كافة العملين لديه، وذلك لإعادة تربية وتأديب أبناءه عبر استخدامه لمقالب كوميدية مبتكرة وبعيدة عن التكرار.
تتصاعد الحبكة الدرامية بثبات إلى الوصول بالمشاهد للبنان، ولكن هذا الوصول المفاجئ شكل كسراً درامياً في القصة، حيث يضع "عادل إمام" أبناءه أم اختبار بين أن يكونوا أبناء صالحين أو أن ينحازوا للمال، ويقومون بتهريب المخدرات إلى مصر، فيختاروا الأخيرة، وبعد العودة واعتقالهم في المطار والإفراج عنهم، بعد أن تبين أن المخدرات التي اختاروا تهريبها ما هي إلا عبارة عن دقيق طعام. يواجههم ويفضح مؤامرتهم ومؤامرته، ويبلغهم بأنه سدد ديونهم، وأنه سيمنحهم أيضاً مالاً ليبدؤوا حياتهم من جديد، ويبلغهم بقراره الاعتزال مشترطاً أن تعيش حفيدته معه في مزرعته وعزلته التي اختارها ليمضي ما تبقى من حياته فيها.
يحاول "عادل إمام" بخبرته الواسعة وبعمقه الفني أن يرسم صورة مختلفة نوعاً ما عن تلك الصورة النمطية التي التصقت به في أعماله السينمائية الأخيرة وخاصة فيلمه "بوبوس"، ولكن هذا الفيلم عانى من ضعف في بنية الحبكة الدرامية، كما أنه عانى من ضعف في تكوين مشهدية سينمائية مترابطة مضموناً ببعضها البعض، وخاصة في صياغة تسلسل درامي سلس. وعانت قصة الفيلم من إشكاليات وتساؤلات أهمها، برأي توقيت عودة أبناءه للعيش معه لمعرفة مكان أمواله، ولماذا لم يعودوا للعيش منذ بداية الفيلم لإقناعه والجمهور بإصابته بمرضه؟. كما أن القصة لم تعالج فترة غيابه لمدة أسبوعين. ولم يقدم السيناريو تفسيراً لتركيز الكاميرا على صورة الزوجة في أكثر من مناسبة، رافضاً بذلك إعطاء أي تبرير لذلك، ولم يقدم لمحة عن شكل العلاقة الزوجية في الأسرة قبل وفاة الزوجة. أو أية تفاصيل مقنعة تبرر خيانة صديقه "احمد راتب" أو حارس الفيلا " ضياء الميرغيني".
افتقد الفيلم قدرته على خلق خيالية تأملية للجمهور، وكانت القصة باتجاه واحد فقط دون وجود محاولة تمرّدية لصياغة سيناريوهات مختلفة. كما أنه اقتصر في أغلب مشاهده على التصوير الداخلي في الفيلا، وكأنه حوّل الفيلم السينمائي إلى مسرحاً داخلياً، مبتعداً على علاقتة بالمحيط الأوسع والأكبر في سياقه الاجتماعي.
تعتبر هذه التجربة السينمائية للزعيم الكبير "عادل إمام" تجربة مختلفة ونوعية، ولكنها لا تأتي في سياق التحول الجذري للنسق الفني الذي صار فيه الزعيم في عدد من أفلامه السينمائية الأخيرة. تكرس هذه التجربة تفرده بمجريات الأحداث والسيطرة عليها، وكذلك السيطرة على الشخصيات الأخرى في العمل الفني بما يعزز تفرده وتألقه الفردي على حساب العمل الفني ككل. وكذلك ذوبان فكرة الفيلم في رمزيته مع الإدراك الكبير لنجومية وتألق الفنانين المشاركين في هذا العمل، والذين لم تتاح لهم فرصة أكبر للتعبير عن نجوميتهم. تنبع سيطرة الزعيم من قدرته الكبيرة للحفاظ على تواصلية الفكرة والمضمون في شخصه، وإبداعه في تقمصه لشخصية مريض الزهايمر.
كما أن هذا الفيلم يقدم الفنان "عادل إمام" بصورة مختلفة عما عهده عليها جمهوره، وأبرزها مشهديه قراءته للقرآن الكريم في وقت الشدة ووقت الرخاء في محاولة إيحائية بجدية وصدقيه إيمانه، والتي قلما وجدت في أفلامه السابقة، بالإضافة إلى أن استغناءه عن عنصر الإثارة التي اعتدناها في أفلامه وارتباطه بالمرأة بمشهديتها السابقة.
الزعيم الذي حاول إعادة اكتشاف قدراته التمثيلية كرجل يقاوم الإدعاءات بمرضه، مع شكه بصدق يقينه وتردده في طبيعة علاقاته مع شخوص المؤامرة، وأثناء محاولته إثبات صحته لذاته أولاً وللجمهور ثانياً يقدم العديد من المفارقات والمواقف الفنية المضحكة المقنعة في اغلبها للجمهور، والتي تجلت بقدرته على تقمص دور الرجل المصاب بمرض الزهايمر بشكل فريد ومقنع حتى لمن صنعوا المؤامرة.
استطاع الفيلم اقناع الجمهور وحاز على الرضى أثناء عرضه في العديد من دور العرض، والتي بلغ عددها 80 داراً، ويعزى السبب في ذلك لتقديم الفيلم بأسلوب درامي مبتكر وجيد ومقنع، إضافة إلى أنه مختلف عن التقاليد الكوميدية في الأفلام السينمائية المصرية الأخيرة. وقد تبنى الفيلم أسلوبا درامياً وتراجيدياً، وتجلى ذلك أثناء زيارة "عادل إمام" صديق عمره الفنان "سعيد صالح" في بيت المسنين، الزيارة التي خلقت تأثيراً درامياً مقنعاً لثنائي يشهد له ماضيه وحاضره ببراعته وتفوقه الفني، وعمقه الإنساني، خاصة في حواريتهما، وكذلك الإتقان المبدع "لسعيد صالح" في تقمص دور مريض الزهايمر، والدموع الحقيقية التي انهارت من عيون "عادل إمام" أسفاً على صديق عمره وخوفاً من مواجهته المصير نفسه.
الحوارية الأخيرة بين الأب والأبناء عبرت عن الروح الانتهازية لدى أحدهم، والذي لم تفلح مع محاولات والده التأديبية بينما ظهر على الآخر انصياعه وأسفه على ما عمله تجاه والده.
اعتقد أن هذا الفيلم يعد من الأفلام القوية للزعيم لأنه استخرج قدراته الفنية، وأعاد اكتشاف مكمونه الداخلي متفوقاً على ذاته في العديد من الاعمال السينمائية السابقة، كما أنه حاول العودة إلى شخصيته الدرامية التي تفوقت على الثبات والملل والتكرار في خلق الكوميديا المقنعة، متمرداً بذلك على محاولات التصنع الكوميدي التي لم تفلح نجاحاً في أغلب الأحيان. وقد كان الإقناع الدرامي والكوميدي طاغياً على الأداء الفني والسينمائي للزعيم ولكنه لم يشكل سمه عامة للفيلم.